الثلاثاء، نوفمبر 10، 2015

مسجد "علي البكاء" ارث حضاري وديني مقاوم ... رنا شحاتيت

مسجد "علي البكاء" ارث حضاري وديني مقاوم ...   رنا شحاتيت


رام الله - دنيا الوطن-رنا شحاتيت


ماقبل800 وحتى اليوم لا تزال مئذنة مسجد علي البكاء ذات الطراز المملوكي شامخة شماء وسط مدينة الخليل ،لتشكل ثلاثية نادرة مع مئذنتي المسجد الإبراهيمي الشرقية والغربية.



مسجد علي البكاء معلمٌ إسلاميٌ وتراثٌ شامخ ،لايزال شاهداَ آخر على عراقة المدينة ، يبعد مئات الأمتار عن المسجد الإبراهيمي من الجهة الشمالية ،يتربع وسط حارة خليلية  سُميت بـ"حارة الشيخ" نسبة إلى الشيخ المجاهد العابد علي البكاء .



يُعتبر من أقدم مساجد فلسطين،وثاني مسجد بعد المسجد الإبراهيمي ومن أكبر مساجد المدينة ، هو مسجد ومئذنة مملوكية ومقام وبيت زكاة ودار لتحفيظ القرآن ومكتبة وعيادة، وقدر ارتبطت لجنة زكاة الخليل باسم علي البكاء. 



يقول أكرم طلال أبو سنينة إمام وخطيب المسجد: " يعود تاريخ هذا المسجد إلى ما قبل668 للهجرة  وهو قديم جداً ،ذكره المؤرخون في كتب التاريخ الإسلامي منهم ابن كثير في البداية والنهاية ومنهم الذهبي في تاريخ الإسلام" .



كانت ولا تزال حاضرة تلك المئذنة بحجارتها حمراء اللون ، توقفنا عندها لبرهة يكمل أبوسنينة " أول ما بدأ به المسجد زاوية صغيرة يتعبد بها أحد الصالحون وهو الشيخ علي البكاء فدائي جاء من القوقاز للجهاد في هذه البلاد ثم رابط وعاش فيها وقد عُرف بصلاحه وتقواه"



يتابع"أنشأت المئذنة في عهد المماليك سنة 700 للهجرة وكانت عبارة عن منارة لرفع الآذان وحراسة الثغور وحماية الخليل من الجهة الشمالية وقد لوحظت فوهات صغيرة على جدران المئذنة حيث كان يقف فيها الرماة للدفاع عن البلد ضدّ أي غزو خارجي ".
في حديث خاص مع الدكتور المؤرخ عدنان أبو تبانة ،يتحدث عن حقيقة هذا المسجد وتاريخه وعراقته يقول :"بُني المسجد عام 670هـ على يد عز الدين أيدمر المسؤول الإداري عن فلسطين وبلاد الشام في زمان الظاهر بيبرس والشيخ علي البكاء كان قائداً عسكرياً مجاهداً في جيش بيبرس ،وقد اشتهر بالتقوى والصلاح ".



ويتابع أبو تبانة حديثه لدنيا الوطن"كان علي من أبطال معركة أرسوف وقد عاش في العصر الإيوبي والمملوكي وعند كبره تفرغ للعبادة وبنى له الأمير عز الزاوية التي دفن فيها بعد عمر قارب المائة عام".



كان المسجد قديماً زاويةً صغيرةً وما أن تم توسيع الشارع الممتد للمسجد الإبراهيمي لتجبرهم الظروف لهدم المسجد ومن ثم اشتُريت البيوت والأراضي الموجودة في المكان من أحد المحسنين الحاج اسحق القواسمي  وبُنى هذا المسجد لما هو عليه الآن منذ 1977م.



بالعودة إلى أبو سنينة يُحدثنا عما جرى من تطورات حول هذا المسجد يقول:"انتهى بناء هذا المسجد 1977م وقد تكفل بناءه أحد المحسنين، ارتفاع هذا المسجد 10 أمتار ، ولا يوجد في فلسطين بأكملها مسجد شبيه له ، هذا وبلغت مساحته 25متراً ،يتكون من طابق واحد لكنه يضم في جنباته دار للقرآن الكريم وعيادات تابعة للجنة الزكاة وغرف للواعظين والواعظات وأماكن لتدريس النساء وللرجال ومصلى للنساءومكتبة ".



في أروقة هذا المسجد الكثير من الخدمات وهو ما ميزه عن باقي المساجد في المدينة ، كذلك يحتوي على مكتبة تقليدية حوت الكثير من الكتب القديمة ، ومكتبة رقمية تحتوي على أكثر من 700 ألف كتاب إسلامي موجودة على صيغة pdf  وهي وقف لطلاب العلم .



يضيف أبو سنينة"تتوافر في المكتبة الإلكترونية  مواد علمية بدعم من المملكة العربية السعودية، وهي متوفرة لطلاب العلم والباحثين ،نقوم بالبحث عن اسم الكتاب الذي يطلبه الباحث وفي حال توافره يتم نسخه على CD وتقديمه بالمجان ".



تحت القبة المزخرفة بكتابات مملوكية وقف وجدي قفيشة أحد الأعضاء المشرفين على المسجد ،يقول "أنا أحد أعضاء لجنة مكونة أنشأت لإدارة هذا المسجد ، نتكون من 6 أعضاء رئيس وخمسة أعضاء نعمل على إحياء هذا المسجد".



ويكمل حديثه لدنيا الوطن"أول ما أسست لجنة زكاة الخليل كان مقرها هذا المسجد ،وقد ارتبط اسمها باسم الشيخ علي البكاء ،على الرغم من نقل اللجنة إلا أن اسمها بقي مرتبطاً باسم الشيخ علي خاصة خارج فلسطين".



أخذ اسمه من صفات اتسم بها ،كان الشيخ المجاهد البكاء يحفظ القرآن عن ظهر قلب ، وإذا قرأه يبكي من الخشوع حتى تبتل لحيته، وعندما توفي  بنى له بعض الناس الأفاضل ضريح يسمى باسمه.



وقد لعب المسجد دوراً حضارياً مميزاً، ففي عهد الصليبين والعهد العثماني كان مقراً للمجاهدين وبمثابة حصن منيع لمدينة الخليل.



وفي فترة الإنتداب البريطاني كان المسجد مقراً للمجاهدين والمقاومين للإحتلال ،كانوا يقومون بتخزين الأسلحة في أروقته في حجر الزاوية  بجوار قبر الشيخ علي لقناعات قديمة أن كرامات هذا الشيخ حتى وهو ميت تحجب عيون البريطانيين عن رؤية الأسلحة .



وفي الإنتفاضة الأولى عام 1987م كان المسجد نقطة انطلاق للشبان المنتفضين نحو المواقع الإستطانية القريبة من المكان حيث استشهد على أبوابه  وأدراجه  ومداخله العديد من الشبان المقاومين.



مضى على هذا المسجد أكثر من ثمانية قرون ، فالمسجد يحتاج  لبعض الإصلاحات والترميمات  أهمها تغيير محرابه وتحويله لمحراب خشب فالصعود للمنبر يحتاج تخطي 15 درجة ، بالإضافة لحاجته لتغيير السجاد الذي مضى عليه أكثر من 12 عام




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق